رغم مرور أكثر من 15 عامًا على إطلاق البيتكوين، لا تزال قصة مخترعه واحدة من أعظم الألغاز في عالم التقنية والتمويل. فالرجل – أو ربما الفريق – الذي غيّر شكل المال كما نعرفه، ما زال مجهول الهوية، ولم يُشاهد علنًا حتى اليوم.
في هذا المقال من تداول كريبتو، نروي لك القصة الكاملة التي نعرفها عن مخترع البيتكوين، من الفكرة الأولى، إلى الاختفاء المفاجئ، مع تحليل لأبرز الأدلة والاحتمالات حول هويته.
البداية: الفكرة التي قلبت الطاولة
في أكتوبر 2008، نُشرت ورقة بحثية بعنوان:
“Bitcoin: A Peer-to-Peer Electronic Cash System”
الورقة قدمت حلاً لمشكلة ظلت قائمة لعقود:
كيف يمكن إرسال الأموال عبر الإنترنت دون الحاجة لطرف ثالث (مثل البنوك أو PayPal)؟
كان الحل هو شبكة لامركزية، تعمل عبر إثبات العمل، وتمنع التزوير أو الإنفاق المزدوج.
صاحب هذه الورقة؟ اسم مستعار: ساتوشي ناكاموتو.
الإطلاق الرسمي
في يناير 2009، أطلق ساتوشي أول نسخة من برنامج البيتكوين، وقام بتعدين أول كتلة على الشبكة، المعروفة بـ “كتلة التكوين” (Genesis Block).
ومنذ ذلك اليوم، بدأ مجتمع المطورين يتوسع حول البيتكوين، وبدأت العملة تكتسب الاهتمام، ببطء في البداية، ثم بسرعة غير مسبوقة.
التواصل مع العالم
كان ساتوشي يتواصل فقط عبر رسائل البريد الإلكتروني ومنتديات النقاش التقنية، مثل BitcoinTalk. لم يُظهر صوته، أو صورته، أو أي معلومة شخصية.
في تلك الرسائل، كان يظهر:
- فهمًا عميقًا للرياضيات والتشفير.
- قدرة لغوية إنجليزية ممتازة.
- حرصًا على الابتعاد عن الأضواء أو الجدل.
لماذا لم يكشف عن هويته؟
هناك عدة تفسيرات:
- الخوف من الملاحقة:
البيتكوين يهدد النظام المالي التقليدي، وربما أراد ساتوشي تجنب أي ملاحقة قانونية. - رغبة في عدم التقديس:
كان يُريد أن يبقى المشروع ملكًا للمجتمع، لا لشخص. - الخصوصية الكاملة:
ربما لم يكن مهتمًا بالشهرة من الأساس.
متى اختفى ساتوشي؟
في أواخر عام 2010، بدأ نشاطه بالتناقص، ثم في عام 2011 أرسل رسالة وداعية قال فيها:
“لقد انتقلت إلى أمور أخرى، والمشروع بين أيادٍ أمينة.”
منذ تلك اللحظة، لم يُعرف عنه أي شيء. لم يُشارك بأي تطوير. لم يحضر أي مؤتمر. لم يحرّك أي من عملاته.
هل يمتلك بيتكوين؟ كم؟
تشير الدراسات إلى أن ساتوشي ناكاموتو قام بتعدين حوالي 1 مليون بيتكوين في السنة الأولى من الشبكة.
هذه العملات ما زالت ثابتة في محافظها ولم يتم إنفاق أي منها، وهو أمر غريب جدًا ويثير الكثير من الفضول.
أبرز المرشحين المحتملين
- نيك زابو (Nick Szabo):
لديه مشروع مشابه يسمى “Bit Gold”، وأسلوبه قريب من أسلوب ساتوشي. - هال فيني (Hal Finney):
استقبل أول معاملة بيتكوين من ساتوشي، وكان من أوائل المساهمين في الكود. - كريغ رايت (Craig Wright):
ادعى أنه ساتوشي، لكنه لم يقدم أدلة تقنية قاطعة. - مجموعة مخفية:
يعتقد البعض أن البيتكوين كان نتاج عمل فريق حكومي أو أكاديمي محترف.
هل سيعود يومًا ما؟
البيتكوين اليوم مشروع ضخم بقيمة تريليونات الدولارات.
لو عاد ساتوشي الآن، فسيكون لذلك تأثير ضخم:
- على سعر السوق (خصوصًا لو حرّك عملاته).
- على الجانب القانوني.
- على ثقة المجتمع.
لكن حتى اللحظة، كل الأدلة تشير إلى أنه اختار أن يختفي إلى الأبد.
الخلاصة
قصة مخترع البيتكوين تمزج بين العبقرية والغموض، بين التقنية والدراما.
وفي زمن الشفافية الكاملة، تبقى أعظم ابتكار مالي في القرن مجهول المصدر، وكأنها رسالة بأن المال لا يجب أن يُدار من شخص، بل من المجتمع نفسه.